فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلنا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} الآية فيه خمسة تأويلات:
أحدها: فيه حديثكم، قاله مجاهد.
الثاني: مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم، قاله سفيان.
الثالث: شرفكم إن تمسكتم به وعملتم بما فيه، قاله ابن عيسى.
الرابع: ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم.
الخامس: العمل بما فيه حياتكم، قاله سهل بن عبدالله.
قوله تعالى: {فَلَمَا أَحَسُّواْ بَأْسَنآ} أي عيانواْ عذابنا.
{إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من القرية.
الثاني: من العذاب، والركض: الإِسراع.
قوله تعالى: {لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي نعمكم، والمترف المنعم.
{لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لعلكم تسألون عن دنياكم شيئًا، استهزاء بهم، قاله قتادة.
الثاني: لعلكم تقنعون بالمسألة، قاله مجاهد.
الثالث: لتسألوا عما كنتم تعملون، قاله ابن بحر.
قوله تعالى: {فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ} يعني ما تقدم ذكره من قولهم {يا ويلنا إنا كنا ظالمين}.
{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} فيه قولان: أحدهما: بالعذاب، قاله الحسن.
الثاني: بالسيف، قال مجاهد: حتى قتلهم بختنصر.
والحصيد قطع الاستئصال كحصاد الزرع. والخمود: الهمود كخمود النار إذا أطفئت، فشبه خمود الحياة بخمود النار، كما يقال لمن مات قد طفىء تشبيهًا بانطفاء النار. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم وبخهم تعالى بقوله: {لقد أنزلنا} الآية والكتاب القرآن. وقوله تعالى: {فيه ذكركم} يحتمل أن يكون في الذكر الذي أنزله الله تعالى إليكم بأمر دينكم وآخرتكم ونجاتكم من عذابه، فأضاف الذكر إليهم حيث هو في أمرهم ويحتمل أن يريد فيه شرفكم وذكركم آخر الآية. كما تذكر عظام الأُمور، وفي هذا تحريض ثم تأكد التحريض بقوله: {أفلا تعقلون} وحركهم ذلك إلى النصر، ثم مثل لهم على جهة التوعد بمن سلف من الأُمم المعذبة، و{كم} للتكثير وهي في موضع نصب بـ: {قصمنا} ومعناه أهلَكِنا، وأصل القصم الكسر في الأجرام فإذا استعير للقوم أو القرية ونحوه فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم وأوقع هذه الأمور على القرية والمراد أهلها وهذا مهيع كثير، ومنه {ما آمنت قبلهم من قرية} [الأنبياء: 6] وغيره وقوله تعالى: {وأنشأنا} أي خلقنا وبثثنا أُمة أُخرى غير المهلكة، وقوله تعالى: {فلما أحسوا} وصف عن قرية من القرى المجملة أولًا قيل كانت باليمن تسمى حصورا بعث الله تعالى إلى أهلها رسولًا فقتلوه، فأرسل الله تعالى بخت نصر صاحب بني إسرائيل فهزموا جيشه مرتين، فنهض في الثالثة بنفسه فلما مزقهم وأخذ القتل فيهم ركضوا هاربين، ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها وأنه واصف حال كل قرية من القرى المعذبة وأن أهل كل قرية كانوا إذا أحسوا العذاب من أي نوع كان أخذوا في الفرار. و{أحسوا} باشروه بالحواس، والركض تحريك القدم على الصفة المعهودة، فالفار والجاري بالجملة راكض إما دابة وإما الأرض تشبيهًا بالدابة.
{لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ}.
يحتمل قوله تعالى: {لا تركضوا} إلى آخر الآية أن يكون من قول رجال بخت نصر على الرواية المتقدمة فالمعنى على هذا أنهم خدعوهم واستهزؤوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم لا تفروا {وارجعوا} إلى مواضعكم {لعلكم تسألون} صلحًا أو جزية أو أمرًا يتفق عليه، فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادي فيهم يا لثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم ع، هذا كله مروي، ويحتمل أن يكون {لا تركضوا} إلى آخر الآية من كلام ملائكة العذاب، على التأويل الآخر أن الآيات وصف قصة كل قرية وأنه لم يرد تعيين حصورا ولا غيرها، فالمعنى على هذا أن أهل هذه القرية كانوا باغترارهم يرون أنهم من الله تعالى بمكان وأنه لو جاءهم عذاب أو أمر لم ينزل بهم حتى يخاصموا أو يسألوا عن وجع تكذيبهم لنبيهم فيحتجون هم عند ذلك بحجج تنفعهم في ظنهم، فلما نزل العذاب دون هذا الذي أملوه وركضوا فارين نادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم {لا تركضوا وارجعوا} {لعلكم تسألون} كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم، ثم يكون قوله: {حصيدًا} أي بالعذاب تركضوا كالحصيد، والإتراف التنعيم، و{دعواهم} معناه دعاؤهم وكلامهم أي لم ينطقوا بغير التأسف، والحصيد يشبه بحصيد الزرع المنجل الذي ردهم الهلاك كذلك، و{خامدين} أي موتى دون أزواج مشبهين بالنار إذا طفيت. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم ذكر منَّته عليهم بالقرآن فقال: {لقد أنزلنا إِليكم كتابًا فيه ذِكْرُكم}،
وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: فيه دِينكم، قاله الحسن، يعني: فيه ما تحتاجون إِليه من أمر دينكم.
والثالث: فيه تذكرة لكم لِمَا تلقَونه من رَجعة أو عذاب، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أفلا تعقلون} ما فضَّلْتُكم به على غيركم.
ثم خوَّفهم فقال: {وكم قصمنا} قال المفسرون واللغويون: معناه: وكم أهلَكِنا، وأصل القصم: الكسر.
وقوله: {كانت ظالمة}، أي: كافرة، والمراد: أهلها.
{فلما أَحَسُّوا بأسنا} أي: رأَوا عذابنا بحاسَّة البصر {إِذا هم منها يَرْكُضون} أي: يَعْدُون، وأصل الرَّكْض: تحريكُ الرِّجلين، يقال: رَكَضْتُ الفَرَس: إِذا أَعْدَيته بتحريك رِجليكَ فعدا.
قوله تعالى: {لا تَرْكُضوا} قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم: {وارجعوا إِلى ما أُترفتم فيه} أي: إِلى نعَمكم التي أترفتْكم، وهذا توبيخ لهم.
وفي قوله: {لعلكم تُسأَلون} قولان:
أحدهما: تُسألون من دنياكم شيئًا، استهزاءً بهم، قاله قتادة.
والثاني: تُسأَلون عن قتل نبيِّكم، قاله ابن السائب.
فلما أيقنوا بالعذاب {قالوا يا ويلنا إِنَّا كنَّا ظالمين} بكفرنا، وقيل: بتكذيب نبيِّنا.
{فما زالت تلك دعواهم}، أي: ما زالت تلك الكلمة التي هي {يا ويلنا إِنَّا كنَّا ظالمين} قولهم يردِّدونها {حتى جعلناهم حصيدًا} بالعذاب، وقيل: بالسيوف {خامدين}، أي: ميتين كخمود النار إِذا طُفِئَتْ. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً}.
يريد مدائن كانت باليمن. وقال أهل التفسير والأخبار: إنه أراد أهل حَضُور وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مَهْدَم، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له: ضنن كثير الثلج، وليس بشعيب صاحب مدين؛ لأن قصة حَضُور قبل مدة عيسى عليه السلام، وبعد مئين من السنين من مدة سليمان عليه السلام، وأنهم قتلوا نبيهم وقتل أصحاب الرَّس في ذلك التاريخ نبيًّا لهم اسمه حنظلة بن صفوان، وكانت حَضُور بأرض الحجاز من ناحية الشام، فأوحى الله إلى أرميا أن ايت بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على أرض العرب، وأني منتقم بك منهم، وأوحى الله إلى أرميا أن احمل مَعَدّ بن عدنان على البراق إلى أرض العراق؛ كي لا تصيبه النقمة والبلاء معهم، فإني مستخرج من صلبه نبيًّا في آخر الزمان اسمه محمد، فحمل مَعَدًّا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فكان مع بني إسرائيل إلى أن كبر وتزوّج امرأة اسمها معانة؛ ثم إن بختنصر نهض بالجيوش، وكمن للعرب في مكان وهو أوّل من اتخذ المكامن فيما ذكروا ثم شنّ الغارات على حَضُور فقَتل وسَبَى وخَرّب العامر، ولم يترك بحَضُور أثرًا، ثم انصرف راجعًا إلى السواد.
و كم في موضع نصب بـ: {قصمنا}.
والقَصْم الكسر؛ يقال: قَصمتُ ظهر فلان وانقصمت سنّه إذا انكسرت، والمعنيّ به هاهنا الإهلاك.
وأما الفَصْم بالفاء فهو الصدع في الشيء من غير بينونة؛ قال الشاعر:
كأنّهُ دُمْلُجٌ من فِضَّةٍ نَبَهٌ ** في مَلْعَبٍ من عَذَارَى الحيِّ مَفْصُومُ

ومنه الحديث: «فيُفْصِم عنه وإن جبينه ليتفصَّد عَرَقًا» وقوله: {كَانَتْ ظَالِمَةً} أي كافرة؛ يعني أهلها.
والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهم وضعوا الكفر موضع الإيمان.
{وَأَنشَأْنَا} أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاكهم {قَوما آخَرِينَ}.
{فَلَمَا أَحَسُّواْ} أي رأوا عذابنا؛ يقال: أحسست منه ضعفًا.
وقال الأخفش: {أحسّوا} خافوا وتوقعوا.
{إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أي يهربون ويفرّون.
والركض العدو بشدة الوطء.
والركض تحريك الرِّجل؛ ومنه قوله تعالى: {اركض بِرِجْلِكَ} [ص: 42] وركضت الفرس برجلي استحثته ليعدو ثم كثر حتى قيل رَكَض الفرسُ إذا عَدَا وليس بالأصل، والصواب رُكِض الفرسُ على ما لم يسمّ فاعله فهو مركوض.
{لاَ تَرْكُضُواْ} أي لا تفرّوا.
وقيل: إن الملائكة نادتهم لما انهزموا استهزاء بهم وقالت: {لا تركضوا}.
{وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، والمترف المتنعم؛ يقال: أُترف على فلان أي وُسّع عليه في معاشه.
وإنما أترفهم الله عز وجل كما قال: {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا} [المؤمنون: 33].
{لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي لعلكم تُسألون شيئًا من دنياكم؛ استهزاء بهم؛ قاله قتادة.
وقيل: المعنى {لَعَلَّكُمْ} عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به.
وقيل: المعنى {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم؛ قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعًا وتوبيخًا.
{قَالُواْ ياويلنآ} لما قالت لهم الملائكة: {لا تركضوا} ونادت يا لثارات الأنبياء! ولم يروا شخصًا يكلمهم عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم بقتلهم النبي الذي بعث فيهم، فعند ذلك قالوا: {ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف.
{فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي لم يزالوا يقولون: {ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.
{حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} أي بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل؛ قاله مجاهد.
وقال الحسن: أي بالعذاب.
{خَامِدِينَ} أي ميتين.
والخمود الهمود كخمود النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار، كما يقال لمن مات قد طفىء تشبيهًا بانطفاء النار. اهـ.